بتنسيق ومتابعة من نائب رئيس نادي أبها الأدبي, الدكتور محمد يحيى أبو ملحة, أقام النادي ندوةً بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي, قدم الدكتور أبو ملحة للندوة متحدثاً عن أهمية اللغة العربية, وحفظ الله تعالى لها, وبين أن اللغة العربية فرضت نفسها بين اللغات الكونية, بما تحمله من صفات وخصائص, ومن ذلك اعتراف الأمم المتحدة بها, وتخصيص يوم عالمي للاحتفاء والاحتفال بها, وأوضح أن النادي أقام هذه الندوة بالتعاون مع مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللغة العربية, ثم رحب بضيوف الندوة ومديرها, ثم نقل الحديث إلى مدير الندوة الأستاذ حسن المزاح, والذي أوضح أن هذه الندوة “اللغة العربية والحوسبة” تأتي بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية, والذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر, وقال بأن العالم انتظر طويلاً حتى تم إقرار اللغة العربية لغةً رسمية في هيئة الأمم المتحدة, ومنظمة اليونسكو, وذكر بعضاً من شهادات مشاهير عالميين عن جماليات العربية وخصائصها المتفردة, ثم عرّج على شيءٍّ من سيرتي ضيفي الندوة, ومن ثم أعطى الحديث للدكتور عبد الرحمن البارقي, والذي بدأ الندوة بتقديم ورقة بعنوان “حوسبة اللغة العربية دلالياً”, حيث قال بأن قضايا الحوسبة إذا ذكرت فأنه بالتأكيد ستذكر المدرسة التوليدية, وإذا ذكرت المدرسة التوليدية فأنه سيذكر البرنامج الأدنوي الذي عمل عليه تشومسكي في الفترة الزمنية ما بين 1992 و1995 ميلادية, وبين أنه قد خضع للتطوير المستمر خلال تلك الفترة, وقال بأن الأدنوية من الناجية النظرية تنتهج نهجاً مفاده أن يقوم العلم بتغطية أكبر عددٍ من الوقائع والتجارب عبر استنتاجات منطقية مرتبطة بعددٍ قليلٍ من الافتراضات والمسلمات, ثم تحدث من خلال عرض مرئي توضيحي عن أهم مبادئ النسق الحاسوبي, وقسمها إلى ثلاثة أقسام هي, الانتقاء, والضم, والنقل, وهي مكونات لما يسمى بالتهجية, وتحدث حول هذه النقاط بداية من طرح تشومسكي, عام 1992م, وخلص إلى أن الرأس المعجمي لدية قدرة معينة معروفة باجتذاب السمة, وهو الذي يستطيع تنظيم الموضوعات التي تقع في حيّزه, وتحدث مراحل حوسبة اللغة وتقديمها للغة الحاسوب وتعريفها عليه, وبين بعضاً من تلك الجهود, وبين أن إشكالية كونها جهوداً فردية أعاقتها كثيراً عمّا كانت ستصل إليه لو كانت متظافرةً, وأكد على أهمية تشكيل فريق عملٍ للنهوض بهذه العملية, على أن يكون مشكلاً من دورين مهمين, دورٌ يقوم به اللسانيون “اللغويون”, والآخر يقوم به الحاسوبيون, دون انفصال أي منهما عن الآخر وقيامه بأعمال منفردة, تحسباً لعدم وقوع الأخطاء, وتحدث عن نظرية الرأس المعجمي والحوسبة الآلية, وحوسبة المعنى الأصلي والمعنى المجازي. ثم تحدث الدكتور حسين الزراعي في ورقته حول “حوسبة اللغة”, وقد اشتملت على مجموعة من التساؤلات التي كانت تحاول الإجابة عنها, وهي تدور حول مفهوم الحوسبة, وعلاقته اللغة بالحوسبة, ونتائج الحوسبة اللغوية, وما يترتب على عدم حوسبة اللغة, وشبه الدكتور الزراعي الحوسبة في مفهومها بما فعله الخليل بن أحمد حينما أراد حصر لغة العرب في معجمه “العين” بطريقة رياضية تمكنه من جمع اللغة, ومن ثم ابتكاره نظرية التقارير, وقد عد فعل الخليل هذا حوسبةً بالمعنى الدقيق الذي يدور الحديث عنه اليوم, وقال بأن تلك الطريقة كانت معروفة قديماً وحتى خمسينات القرن الميلادي الماضي, حيث أصبحت بعد ذلك علماً يُدرس بطريق مختلفة, ويتناول جانبين من المعرفة, الأول حينما تكون اللغة والحوسبة معاً ضمن ما يسمى باللسانيات التطبيقية, وتعمل اللغة بالشراكة مع الحوسبة على نقل اللغات الطبيعية إلى الحاسوب أو أي من برامجه, هذه العملية التي تمخض عنها برنامج وورد ومدققه الإملائي, وبرامج الترجمة الآلية, النمط الثاني وهو مجمل الدراسات التي تبحث في الطريقة التي يشفر بها دماغ الإنسان المعلومات القادمة من الخارج؛ كي يتمكن من قراءتها وقال بأنها معلومات تمرّ عبر أنساق ثلاثة هي, نسق السمع, ونسق البصر, ونسق الحسّ, واختلاف ورود المعلومات إلى الدماغ في الحالات الثلاث, وعرض أمثلة على ذلك, فيما أكد بأن الحديث حول موضوع حوسبة اللغة يحتاج مزيداً من التجريد العالي والمزيد من الوقت.
ثم أتاح مدير الندوة المجال أمام مداخلات الحضور, والتي كان أولها مداخل للأستاذ يحيى اللتيني, قال فيها إن البحث اللغوي لا ينقصه شيء من الهدوء في التفكير, وعدم استعجال النتيجة, وقال بأن انتاج المعنى الأصلي أو المجازي منزاح عن انتقاءات الفعل لما هو له وما ليس له, وبين بأن العمل لديه يقوم على أن الرأس المعجمي بحسب نظرية السماع – للدكتور البارقي- هو الذي ينتقي الموضوعات وسماتها الدلالية والتفريعية, وتساءل الدكتور أنور وجدي عن العلاقة التي نشأت بين تشوفسكي وبين الحاسوب, وكيف أفاد تشوفسكي من الحاسوب فيمَ عرف بعد ذلك بالنظرية التعويلية التوليدية, وما موقف أو رأي الباحث في المطروح من بعض الباحثين حول أن النحو التوليدي أو التعويلي عند تشوفسكي ما هو إلا إعادة ترميم وبناء لنظرية النظم القديمة الموجودة عند الجرجاني, وقالت الدكتورة مريم الغامدي إنه ينبغي على المؤسسات التعليمية أن تضع سياسات تعليمية دقيقة ومفصلة وشاملة لجميع التخصصات, على أن تأخذ بعين اعتبارها تنمية مهارات الطلاب والطالبات اللغوية وقدراتهم, حتى يتكامل تأهيلهم اللغوي والمعرفي والعلمي وتنمية هويتهم الوطنية, وقال الدكتور محمد حسن العمري إنه بقدر ما ننتظر متفائلين لمثل هذه الحوسبة بأن تخدم التقنية اللغة العربية, إلا أن طرح مثل هذه الموضوعات في أجهزة التقنية لا يبعث على التفاؤل, لما له من مردود سلبي على العقول, لأنها مستقبلاً ستفكر نيابةً عن الأجيال, وتلك الطريقة رُبما تُنسي اللغة العربية أو تميتها, وتساءل عن مدى ما وصلت له الحوسبة في اللغة الانجليزية من طموح وتحقيق مفردات المعجم الانجليزي, واقترح محمد بن عامر أن يبتدئ المداخلون في أدبي أبها مداخلاتهم بالبسملة والصلاة على الني الكريم, ومن ثم التعريف باسم المداخل والمداخلة, طمأن الدكتور قاسم بن أحمد الدكتور العمري, حيث قال إنه لا داعِ للخوف على لغتنا من الحاسوب لأنه معاء مثله مثل الكتاب, ووجه سؤالاً الزراعي عن مدى رضاه فيما أُنجز حتى اليوم, وهل يمكن حوسبة النواحي المجازية, وتساءل الأستاذ صالح بن سليمان الأحمد إمكانية حوسبة المصطلح الحديث الذي أفرزته لنا التقنية, على اعتبار أن الألفاظ القديمة والشائعة في التراث القديم من الممكن حوسبتها, ووجه الأديب أحمد علي آل مانع سؤالاً حول العمل على تنقية اللغة العربية مما حل بها, ورأى أن حياة العربية تكمن في الاهتمام بمفرداتها التي توشك على الاندثار, بدلاً من الأطروحات العلمية البحتة, أما الدكتور الكحلاوي فقال إن قضية تقديم الفرنسية في مسألة الزمن لا تعني أنها الأفضل, أو الأكثر امتداداً واتساعاً من الزمن في العربية.
وفي التعقيب على المداخلات قال الدكتور البارقي إنه لا يحب الخوض في موضع الأسبقيات بالنسبة للنظريات, لأنها لا تعد علمية إلى حدٍ كبير, وقال بأن الزمن النحوي يختلف تماماً عن الزمن الصرفي والزمن الدلالي, وعن الحديث من ناحية نسقية بحتة ومختلفة, وأن وجود سمة معينة في لغة ما لا يعني أنها أفضل من الأخريات, وأوضح بأن قضية اللغة الأساسية تكمن في مدى إمكانية التعبير عن احتياجات الناس, وليست القضية قضية مواكبة.
أما الدكتور الزراعي فقد عقب بقوله إن واقع الأسئلة التي طرحت تؤكد أهمية حوسبة اللغة, وذكر بعض الأمثلة لإجابة الأسئلة المطروحة حول الزمن, واستدل بها على عدم أخذ القدر الكافي للزمن في الدراسات اللسانية القديمة, بعكس الدراسات الحديثة التي أعطت للزمن حقه فيما يتعلق بالمقارنة باللغات الأخرى, وبين أن العربية لو لم تدخل في الحوسبة لكانت واحدة من اللغات المهمشة, وقال إن الحوسبة بمفهوم بسيط تعني العودة للمعاجم العربية القديمة واستخراج الفعل وجميع أوزانه, ومن ثم إدخالها في الحاسوب بحيث إنه يمكن لمتعلمي العربية من غير الناطقين بها معرفة الفعل وعدد الصيغ التي يجيء بها.
وفي ختام الندوة شكر رئيس النادي الدكتور أحمد آل مريع ضيفي الندوة ومديرها, على ما إضافتهم الثرية والقيمة في ندوة هذا المساء, وشكر مدير مركز الملك عبد الله الدولي للغة الدكتور عبد الله الوشمي على تواصله وتعاونه مع النادي فيما يخص الاحتفاء بيوم اللغة العربية العالمي, ثم كرم الضيوف وقدم لهم دروعاً تذكارية من نادي أبها الأدبي.