في ليلة سردية مختلفة, شبيهة بتلك الليالي التي قرأنا عن تعاطي الأدب قديماً فيها, لم تكن ليلة أندلسية مزينة بمماحكة الحب بين ولادة وابن زيدون, وليست من الليالي التي كان يعربد فيه النواسي, وإنما هي ليلة أبهاوية متفردة, فمن بين زخات المطر في الليلة الشاتية, انسلت إلينا تلك الأصوات السردية الدافئة, بما حملته من قصصٍ أخاذة, في ليلة الاحتفاء والاحتفال بيوم القصة القصيرة العالمي, والذي عُقدت هذه الأمسية بمناسبته, وبتنسيق من لجنة إبداع, وفي نادي ابها الأدبي كان الموعد مع أمسية قصصية, أدار حوارها الكاتب الأستاذ فايع آل مشيرة عسيري, وفي البدءِ قال إننا نحتضن ونحتفل بيوم القصة العالمي الموافق للرابع عشر من فبراير كل عام, وعشاق القصة القصيرة يعلنون الحب والوفاء لها في هذا اليوم, كما تحتفل به بعض الشعوب به كيومٍ للحب, وبأننا نسافر مسافات التيه, ونتجاذب أطراف الحديث بحثاث وتقصياً عن فن القصة القصيرة, ذلك الفن العربي القديم, وقال بان الحكاية حاجة إنسانية, والقصة فن توارثه العرب جيلاً بعد جيل, وقد جاء القرآن الكريم ليثبت دعائمه ويعطيه زخماً جديداً, فهي تغترف من معينها العربي التراثي الأصيل, وذكر تعريفاً للقصة القصيرة من بين تعارف عدّة, فعرفها بأنها “حكاية اللمحة العابرة”, ثم أعلن أسماء القاصين المشاركين في هذه الأمسية, مقدماً لكلٍ منهم ببعض من سيرته الذاتية وأعماله ومشاركاته الإبداعية, وهم الأستاذ الدكتور محمد بن منصور الربيعي المدخلي, والأستاذ حسن النعمي, والأستاذة عبير العلي, والأستاذ محمد مانع الشهري, واشتملت الأمسية على ثلاث جولات قرائية.
قرأ المدخلي في الجولة الأولى نصين هما (وطن السلام, تحية الوطن الكبير), تلاه القاص حسن النعمي والذي قرأ نص (الترنيمة), ثم قرأت القاصة عبير العلي نص (الدكتور غشام وبوتقة المساواة), وقرأ القاص محمد الشهري نص (قرية المفتاحة), وفي الجولة الثانية قرأ المدخلي من مجموعته “ثلاثية الحب والسلام والعطش” نصوص (مناظر, السلام, هتان, عطشٌ عطش), وقرأ النعمي نص (الأعمى), بينما حلقت القاصة عبير العلي بالحضور في أجواءٍ من المتعة الفارهة حين قرأت نص (أطلال ليلة مقمرة), ثم قرأ الشهري نص (طبلة), وفي الجولة الأخيرة قرأ المدخلي نصا (الحلم ومسافة الضوء, وقراءة في وجه جديد), ثم قرأ النعمي نص (الخزانة), وقرأت العلي نص (حياد), أما الشهري فقد قرأ قصصاً قصيرة جداً (زمانان, مسمار, تكريم, تحول).
وبعد أن استمع واستمتع الحضور للنصوص القصصية المقروءة من مبدعيها, أعطى مدير الأمسية الوقت لمداخلات الحضور, حيث قدم مبارك المطلقة شكره وتقديره للنادي على تبنيه المواهب الإبداعية, وأثنى على القاصين وعلى ما قدموه من سردية تُسعد السامع, وتجعله أمام فيلم روائي ماتعٍ, وتساءلت أنوار المدخلي عن عدم التواصل بين النادي والجامعة, وأكد رئيس لجنة إبداع الأستاذ ظافر الجبيري أن النادي حرص على موافقة هذه الأمسية ليوم القصة العالمي, وأكد على أن القصة مازالت حاضرة وموجودة في خارطة الأدب العالمي, برغم مزاحمة الرواية لها وسطوة الشعر على المنابر, ووصف المبدعين الذين قدموا نصوصهم في هذه الأمسية بالتميز والخبرة والتجربة الاحترافية, والتي تجعلهم قادرين على طرح نصوصهم بكل جرأة وتجلي, وفي نقاطٍ ثلاث جاءت مداخلة أستاذ النقد والأدب الدكتور قاسم الألمعي, الأولى وهي الأنساق الثقافية المتنوعة, “نسق الثبات والتحول ونسق التمرد”, أما الثانية فهي صوت القاصة عبير العلي, ووصفه بانه الصوت المكمل للصورة, وامتدح ظهور الصوت الأنثوي وتجليه في مقابل الأصوات الذكورية, بغض النظر عن الاتفاق من عدمه فيما تضمنته نصوص العلي, أما الثالثة فقال إنها الأدبية المتجسدة في جميع النصوص المقدمة, والتي تنساق على جميع الفنون النثرية على خلاف الشاعرية والتي لا تكون إلا في الشعر, وذلك من حيث التجسيد والتخييل والتشخيص, ثم طلب مدير الأمسية من الحضور أن يستمعوا منه إلى نص قصصي قصير, واشترط عليهم عدم اخضاعه للموازين النقدية, وقرأ نصاً يتحدث حول شخصية الشاعر الشعبي (أحمد مفرح الصنيدلي), والذي توفي قبيل ما يقارب الشهرين, حيث وقع في احتفال كان يحضره في نواحي تهامة عسير, قال فيه نصفاً من قصيدته ورحل قبل أن يكمل البقية, وشكلت وفاته صدمةً كبيرة في أوساط الطرب الشعبي في منطقة عسير, واستمرت المداخلات حيث قالت طالبة اللغات والترجمة أفنان المدخلي, إنها تشكر النادي ونجوم هذه الأمسية على ما قدموه من روعة متنوعة بين الحنين للماضي والمشاعر السابقة, والتلهف للمستقبل الجميل, واعترض طاهر جاري على عدم استخدام القاصة عبير العلي لإسم مشغل الأسطوانات القديم والذ كان يعرف به “بيكام”, وقال بأن استخدام القاصة لأبيات قصيد الأطلال يختلف عما سمعه سابقاً, وقال متسائلاً بأن ما قرأه المدخلي في البداية أقرب للخاطرة من القصة, وقال بأن نص (الأعمى) للنعمي لم يحمل ذلك الغموض اللازم حتى يكون جاذباً ومفاجئاً للقارئ, وبدا واضحاً من بداية القصة أن الفتاة عمياء.
وفي التعليق على المداخلات قالت العلي, إنها ترحب بأي نقد أو رأي تجاه القصص التي قرأتها هذه الليلة, وبالنسبة لتسمية الجهاز فقد أخذته كما هو من العائلة بالفعل, ولا تعلم إن كان هنالك مسمى أخر له, وقالت بأنها كتبت أبيات قصيدة الأطلال مما علق بذاكرتها, ولا تدري إن كان هنالك اختلاف بين القصيدة والأغنية التي صدحت بها أم كلثوم, وأجاب الدكتور المدخلي على تساؤل الفرق بين الخاطرة والقصة, معتبراً أن القصة مجايلة تنتقل من جيل إلى آخر, وقال بأننا كنا نقرأ في السابق لرواد القصة العالميين مثل, هرت تشاو, وفيكتيو هيوجو, وتشار ميكتس, أما في العصر الحاضر فقد اختلفت القصة, ومرت بمراحل عديدة بداية من القصة التقليدية, ثم جاءت القصة البسيطة والتي تترك النهاية فيها للقارئ, ثم القصة الشعرية والقصة الواقعية, مؤكداً على اختلاف القصة من جيل إلى أخر, مضيفاً أن القصة القصيرة والتي اعتبرها المداخل خاطرة, إنما تدخل في إطار القصة القصيرة جداً, والمعروفة بـ (ق.ق.ج), معتبراً أن الشاميين والمغاربة وبعض النواحي من الخليج, تقدموا علينا كثيراً في مجال كتابة القصة القصيرة جداً, بسبب تأخر وصول هذا الفن ودخوله الحيز المحلي, موضحاً أنها في بدايتها شكلت صدمة لدى كثيرين من القراء والمتلقين, ولم يقتنعوا بها كقصة, معتبرين أنها خاطرة أو أي شيء آخر غير القصة, وبين أن قصته مدار الحديث كانت من هذا النوع, وجاء في تعليق القاص النعمي على التساؤل المقدم حول قصة الأعمى, أن القارئ فهم أن الفتاة عمياء من أول سطرين في القصة, بينما شخصية الشاب داخل القصة لم تتعرف على عمى الفتاة, وبالتالي فمن المنطقي أن يوصف الشاب بالأعمى وهو عنوان القصة.
وفي ختام الأمسية تحدث الدكتور محمد بن يحيى أبو ملحة نائب رئيس النادي, حيث شكر الجميع على حضور هذه الأمسية التي تأتي في إطار احتفاء النادي باليوم العالمي للقصة, موضحاً أن القصة جنسٌ أدبي له حضوره المميز عبر التاريخ, وشكر القاصين على ما قدموه, ولجنة إبداع نادي أبها الأدبي, والتي نظمت ونسقت لهذه الأمسية, وقال بأن مبدعي هذا المساء أدفأوا ليلتنا الشاتية, وبعثوا فيها الدفء من خلال العوالم التي بنوها بالكلمات, والتي جعلتنا نتنقل بين الواقعية والرومنسية والأنثوية والرمزية, ورأى بأن قراءة النصوص الإبداعية نثرية كانت أم شعرية, لا تستوجب المساءلات, لأن المبدع بمجرد كتابته للنص الإبداعي يخرج عن مكنته, ويصبح نصاً متداولاً, ولا ضرورة لمساءلة كاتبه عما يتداوله الأخرون, وفي إجابة حول التعاون بين الجامعة والنادي, قال بأن النادي تقدم منذ العام الفائت إلى مدير الجامعة بمسودة اتفاق تعاون مشترك بين النادي والجامعة, ومازالت تحت الدراسة في الجامعة, وبين أن هنالك تعاون بين النادي والجامعة من خلال المناشط, معدداً بعضاً مما قدم في هذا الإطار خلال الفترة الماضية, واعتذر لعدم حضور رئيس النادي وبعض أعضاء مجلس الإدارة بسبب مشاركتهم في فعاليات الجنادرية.