استضاف نادي أبها الأدبي مساء أمس ضمن برنامجه الصيفي الرمضاني, الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن أحمد الجرعي, أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك خالد وعضو المجلس العلمي ونائب رئيس الجمعية السعودية للدراسات الطبية والفقهية, والذي قدم مسامرة عن “أسمار الفقهاء”, وقد شهدت المسامرة حضوراً كبيراً وتفاعل من الحضور, وقد استهل الدكتور أحمد ال مريع رئيس النادي بكلمة ترحيبية, رحب فيها بالحضور وضيوف الامسية, واعتذر عن غياب مدير الحوار الدكتور محمد بن يحيى أبو ملحة نائب رئيس النادي, والذي توفي والده في اليوم السابق, وقال إن هذه المحاضرة تأتي تواصلاً من نادي أبها الأدبي لفعاليات صيف عسير..
ثم أدار الحوار عضو مجلس الإدارة الأستاذ إبراهيم مضواح الألمعي, وفي تقديمه للضيف قال إن الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن أحمد الجرعي يشارك بالنشر والتأليف، والدروس الفقهية، والندوات الفكرية والأدبية في وسائل الإعلام المختلفة, وتحدث عن إصداراته من الكتب والدراسات ذاكراً منها, “أحكام الجوار, أحكام البحر, من فقه الداعية, كلمات منهجية في طلب العلم, الفتاوى الطبية المعاصرة, موسوعة القضايا الطبية المعاصرة, من الفصيح الألمعي”, وقال بأن ضيفنا العَلَمُ في علوم الشريعة والفقه المعاصر، وأنَّ أبحاثَه في المسائل الطبية المعاصرة تُدرَّس في جامعاتِ العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، ومع ذلك فإنَّ له جانباً آخر لا يقلُّ أهميةً, وهو الجانب الأدبي، ومن عرفه عن قرب فسيكتشف موسوعيَّته الثقافية وعُمْقَه الفكري، وذائقتَهُ الأدبية، وحافظته التي لا تغادر شيئاً قرأه أو سمعه أو رءاه، ومعرفته بالكُتبِ والرجال، وقدرتَه الفذَّة على استحضار الشاهد أو الدليل في الحديث العارض، والفصل بين حدِّ الحكم الفقهي المعتمد على الدليل، والعاطفة الدينية القائمة على الاحتياط والتَّوَرُّع..
وأضاف بأن الضيف مُحبٌ للمرح، متواضع في بساطة, يعيشُ حياتَه بعفوية، لا يتكلَّفُ الوقار، فقد عافاه الله مما يسميه الطنطاوي “صناعة المشيخة”, وقال مضواح مسامرتنا هي حديثٌ عن مجالس الفقهاء ومسامراتهم، التي يختلط فيها الفقه بالأدب والجدُّ بالهزل، فقد منح الفقه أكثرهم مساحة واسعة من الحياة، حين علموا الحدَّ الفاصل بين المسموح والممنوع، ففي حين لا نرى من أكثر علماء الشريعة إلا الوجه الجاد، فإن كتب التراجم والسير تزخر بملامح أخرى لهم، من الأدب والنباهة وخفة الظل، حتى أننا نجد بين أيدينا كتباً عن أدبهم، من مثل “أدب الفقهاء” لعبدالله كنون، و”غزل الفقهاء” لعلي الطنطاوي، و”الإلمام بغزل الفقهاء الأعلام” لغازي القصيبي..
وقد بدأ الجرعي بشكره للنادي على الدعوة والاستضافة, وللحضور المميز لرواد النادي, وقال بداية لقد اخترت العنوان “من سمر الفقهاء” وقصدت به الحديث الذي كانوا يتحدثون به في مجالسهم, وقال بأن كتب اللغة حدثتنا بأن السمر في الأصل ضوء القمر, ووقته بعد صلاة العشاء, ولكن النادي اختار عنوان “من أسمار الفقهاء” وهي الأحاديث, ولا بأس بالأسمار فهي أحاديث وإن كانت قد وردت في بعض الكتب قسيمة للأباطيل والأحاديث التي لا فائدة منها, وأرجع سبب اختياره لهذا الموضوع إلى قراءاته القديمة في تراجم الفقهاء منذ اتصال حباله بحبال الفقه, مبيناً أنه خلال تلك القراءات كان يلحظ بعض الأحاديث والمواقف المتضمنة لفوائد علمية؛ ولكنها تعكس جانباً آخر من شخصيات أولئك الأئمة, مؤكداً على أنها جاءت متوافقة تماماً مع ما سطروه من أحكام في الكتب التي أخرجوها لنا, ثم سرد بعضاً من تلك المواقف والتي تكشف عن جوانب من شخصيات الأعلام, واعتبر أنها تحمل جوانب معرفية وثقافية تدلل على مكونهم المعرفي والثقافي بشكلٍ عام, واستشهد بالعالم ابن حزم كموسوعة في العلوم المختلفة, وقال إنه في وقتنا الحاضر قل العلماء الموسوعيين واختلفوا عن المتقدمين, بسبب ما وصفه عن العصر الحاضر بعصر التخصص, مبيناً أن الموسوعية والخروج عن التخصص تفيد الإحاطة والخروج برؤية متوازنة في كثير من المسائل العلمية, وأكد على سماحة وأريحية أولئك الفقهاء تجاه الأدب, مما يشكل ملامح منهجية لهم غير مرئية عند علماء اليوم, وقال بأنها تضيئ السؤال المطروح دوماً حول مساحة الإبداع, ومساحة المبدع والمثقف والأديب, وأتساع وكبر تلك المساحة في حدود ما أطره أولئك الفقهاء بمواقفهم وعطائهم الثقافي والفكري..
وخلص إلى إدراك الحلقة المفقودة بين الفقيه المعزول عن حركة الثقافة والمثقف الذي لا يبالي بقطعيات الشرع..
وقال بأنها تكاد تتلاشى تلك الرؤية والمسامرات التي تكشف جوانب من حياتهم وتُعمر بها مجالسهم, في كثيرٍ من مجالس العلم ودروسه..
وتحدث عن منادمة كبار الأدباء ومشاركتهم في مجالس السمر, ومنهم “عبد الوهاب بن نصر المالكي مع أبي العلاء المعري” كما تحدث عن مناكفة العلماء مثل ما حصل بين ابن حجر العالم الموسوعي وابن عبد البر..
وختم الحديث بقوله إن من أعظم علماء الجزيرة العربية عالم اليمن الكبير “محمد بن علي الشوكاني” وهو عالم في الحديث والفقه واللغة والتاريخ, كذلك تحدث عن عالم اليمن الكبير الشيخ العمراني المولود عام 1340هـ, فقال هو من بقية العلماء الكبار, تخرج على يده ألوفاً من العلماء, وعدد بعض مواقفه ومنها زيارته مع بعض العلماء إلى ايران, وما حدث من مواقف طريفة في تلك الزيارة, وقال لازال هذا العالم حي يرزق, وعاب على اليمنين عدم كتابة سير العلماء..
إلى جانب آخر فقد شهدت المسامرة مداخلات عديد, أثراها الدكتور عبد الله سليمان ومبارك المطلقة والدكتور عبد الحميد الحسامي, حيث تناول المحاضر من جانبه التعليق على تلك المداخلات..
وفي ختام المسامرة دعا مدير الحوار الدكتور عضو النادي عبد الله سليمان إلى تكريم المحاضر بدرع النادي..