أخبار عاجلة

محاضرة د. سليمان العايد في أدبي أبها

ضمن الفعل الثقافي المتواصل لنادي أبها الأدبي, استضاف دكتور اللغة العربية سليمان العايد في محاضرةٍ كان موضوعها “من تحديات اللغة العربية في الزمن الحاضر”, وذلك بالتعاون مع قسم اللغة العربية في جامعة الملك خالد, قدم للأمسية والضيف الدكتور أحمد آل مريع رئيس النادي, شكره فيها على استجابته للدعوة معرفاً به وسيرته وموضوع المحاضرة والنهج الذي ستسير عليه محاضرة هذا المساء, ثم أعطى الوقت للضيف حتى يتحدث في موضوع محاضرته, وقد بدأ العايد محاضرته بالحديث عن اختزال مفهوم المجتمع للعربية وأيضاً المنتسبين لها والمتعيشين بسببها, حيث إنهم لا يفهمون منها إلا إنها مجرد كتاب ومعلم ومقررات دراسية, أحياناً تُلحق الضيم بأبنائهم وأحياناً ينجحون فيها ويرسبون فيها تارة أخرى, والمعلمون لا يفهمون من اللغة العربية إلا إنها وظيفة حيوية يقومون بها, توفر لهم أسباب الحياة الهنية, وفي ذلك جورٌ على العربية واختزال لها, لأن اللغات دائماً ما تكون هي أهم مقوم من مقومات الهوية, لأنها هي الثقافة وهي الوعاء الحامل لها, فهي من أهم المكونات الوطنية, ذلك أن الأمم التي تحترم نفسها تحافظ على لغتها وتحميها من اللغات الأخرى, وتعمل على أن تكون لها السيطرة, والأمر الآخر أن الهوية تنمو بالممارسة, فإذا لم تمارس مقومات الهوية ستضعف, وبالتالي ستضعف الهوية, وأكد على أن الذين خذلوا اللغة هم حملتها لأنهم اختزلها, ذلك أن اختزالها في شيءٍ صغير ما هو إلا إضاعة لها, وأوضح بأن اللغات لا تنتشر لأنها الأميز والأفضل, لأن هنالك أموراً أكبر من اللغة ومنها البعد الحضاري بين الأمم, فانتشار اللغة يكون بسبب أن الأمة التي تحملها لها تأثيرها ولها ونها في الاقتصاد والسياسة, وخلص من ذلك إلى أن الصراع ليس صراعاً لغوياً وإنما هو صراع حضاري, كما أن ضعف أو غياب الإرادة السياسية قد يضعف من شأن اللغة, وبخاصة إذا كانت اللغة لا تشغل أولويات الساسة كما هو الحال في غيرها من القضايا, بخلاف الأمم التي تجعل اللغة من أولوياتها, وعرض بعضاً من مشاهد الأمم الأخرى التي تهتم فيها بلغتها وتصدها أولوياتها, وأوضح حاجز الترجمة إلى اللغة العربية ليس عائقاً في سبيل التواصل الحضاري, وانتهى إلى أن هنالك غياباً للإرادة والاعتزاز باللغة, ثم عرج على التحديات التي تواجه اللغة من الداخل العربي الكبير, وحصرها في أربعة تحدياتٍ, قال إن الأول منها هو غياب الرؤية الاستراتيجية, للنهضة بالعربية والانشغال بالجزئيات, والثاني ضعف أو غياب الإرادة السياسية, والثالث غياب الإرادة لدى الأمة خلاف الساسة حين لا يعتزون بلغتهم, والرابع تيار العولمة والذي لم تشكل فيه اللغة العربية إلا جزءاً ضئيلاً, وقال بأنه أمام كل هذه التحديات توجد لدينا إيجابيات كثيرة تعمل على إبعاد اليأس منّا, مثل خصائص اللغة العربية وأنها لغة حيّة, وكذلك نزول القرآن بها والذي سيبقى متداولاً تقرأه الناس باللغة العربية فقط, وكذلك العامل الإسلامي كخط دفاعٍ كبير وإن لم تكن لغة حياته بسبب شعوره وعاطفته الجارفة ناحية العربية, كذلك الصحوات على مختلف توجهاتها المناهضة للعولمة, لأنها تدعم اللغة العربية, إضافة إلى وسائل الإعلام التي تعمل على التقارب ما بين اللهجات العامية واللغة الراقية, وأن اللغة العربية لا يخشى عليها من الاندثار لتلك أسباب, ثم انتقل للحديث ما بين التفاؤل والتشاؤم من حيث اندثار اللغة العربية وعدم بقائها ونظرة المتفائلين ببقاء اللغة العربية من ضمن اللغات الحية الباقية في القرن القادم, وقال أنه ليس لنا إلا ليس لنا إلا أن نكون منطقيين وواقعيين بعيداً عن الدراسات الاستشرافية.

ثم تحدث من خلال تفصيلات كثيرة حول الطريقة المثلى والتي من خلالها يتم تهيئة اللغة العربية لعصر العولمة, وانتقد التعليم والمعلمين وطريقة تقديمهم للدرس اللغوي, ومثلهم بمن يقاوم الطائرة بأسلحةٍ تقليدية كالرمح والقوس, ووصف برامجها التعليمية بالقصور من حيث تعدديتها وعدم خروجها من التقليدية إلى التجديدية, وقال بأن هنالك غياباً لتخطيطٍ لغويٍّ سليمٍ للنهوض باللغة العربية.

وعقب انتهاء المحاضر اتاح مدير المحاضر المجال أمام مداخلات الجمهور, حيث بدأت بمداخلة للدكتور محمود قاسم الشعبي, قال فيها بأن من مظاهر اهمال اللغة العربية قيام بعض الجامعات العربية باعتماد الانجليزية لغتها الوحيدة وعدم قبول اللغة العربية فيها, وقال بأن جامعاتنا تفتقر إلى وجود تفتقر إلى وجود أقسام تعنى بتدريس العربية لغير الناطقين بها أسوة بجامعات أوروباً التي تعتز بلغاتها, وعلق على المحاضر بخصوص مسألة الترجمة الإلكترونية بين اللغات لأنها غير واقعية, و قال بأن الأنترنت لا يمكن أن يشتمل على كل شيء, وفي المدخلة الثانية من قاعة النساء للدكتورة حنان أبو لبدة, قالت فيها إن اللغة ليست مجرد وعاء, وإنما تدل على المستوى الفكري لصاحبها, بحيث أنها فكر في ذاتها, وقالت بأن مشكلة إعداد معلم اللغة العربية تكمن في كون الجامعات توجه أصحاب المعدلات المتدنية إلى قسم اللغة العربية, وهو امر مؤسف ينعكس على مستوى المتخرجين منها, ولا بُد من وجود سياسات تعمل على اختيار من يعتزّ بهذه اللغة ويحمل لواءها كما يجب, وجاء في مداخلة الأستاذ صالح الأحمد أن اللغة تشكو من حال أبنائها وقد مللنا التباكي على هذه الأوضاع في المؤتمرات والمحاضرات الأدبية, موضحاً أن الخطأ ببساطة شديدة جداً ينبع من الفرد ذاته, بمعنى عدم وجود القناعة لدى الأشخاص في أن يتحدثوا باللغة العربية, وأيضاً نظرة القصور من متخصصي اللغة العربية بحيث يظنون أن اللغة حكراً عليهم, فيما طلبت جميلة البيشي من المحاضر أن يصف لها طريقة تمكنها من تحبيب اللغة العربية وتقريبها إلى طالباتها اللآتي تدرسهن في ظل قصور المناهج الدراسية عن ذلك, وطالب إبراهيم طالع الألمعي في مداخلته بوجود مركز بحثي يعني بكتابة اللغة العربية وتقعيدها من جديد, وأن يكون الدكتور العايد مؤسساً لذلك المشروع الهام قبل ذوبان اللغة العربية في العولمة, وأن يتم ذلك بعيداً عن المتقدمين الذين كتبوا العربية من الموالي والمهجنين والذين ليسوا من المنتسبين الأصليين لها, وتساءل عن اللغة المكتوبة وعدم اهتمامها باللهجات العربية الأصيلة والتقليل منها, وأن ذلك يجب أن يتم بشكل بحثي استقصائي بعيدٍ عن الأعمال الأكاديمية التي لم تقدم جديداً, وليست إلا ناقلاً لما سبق وأن كتب, أما في مداخلة الدكتور فوزي صويلح أستاذ البلاغة والنقد, قال بأن المشكلة التي نعيشها هي غياب الثقافة الأسرية التي تنمي في الطفل حب اللغة العربية من خلال استخدام مفرداتها وتسمية الأشياء بمسمياتها العربية, والأمر الأخر غياب الترويج للعربية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها ضمن مصطلحاتها, وكذلك التعامل مع الوافدين إلى بلداننا العربية من غير العرب من خلال استخدام لغة بسيطة تسهل التواصل معهم, ورأى بأن حماية اللغة العربية لن يأتِ إلا بقرارٍ سياسي, وتساءل أحمد القحطاني طالب جامعة الملك خالد عن تقليص مواد اللغة العربية إلى كتابٍ واحد في التعليم العام وساعاتٍ قليلةٍ في التخصصات العلمية في الجامعات, وعن كيفية تطوير اللغة العربية في أوساط الشباب والمجتمع, وقال الدكتور محمد حسن العمري في مداخلته بأن المحاضرة ليست ميداناً لمناقشة المقررات أو التباكي على حال أبنائنا وما وصلوا له, بل إن هذه المحاضرة مشروع نهوض وتجديد, ولا بُد من تبني هذا المشروع حتى يتحقق, وفي مداخلة الدكتور قاسم بن أحمد رأي بأن هنالك بعداً أخر هام, وهو أن أبناء العربية يمرون بمرحلة مشابهة للمرحلة التي مرّت بها أوروبا قبيل نهضتها, ووجه سؤالاً للمحاضر عن الزمن المتوقع لاستيعاب أبناء العربية العلوم والمعارف الأجنبية ومن ثم الانطلاق والإبداع باللغة العربية, وطالب بتدريس العلوم والمعارف العلمية كـ”الطب والهندسة” باللغة العربية, وفي مداخلة للدكتور عبد الحميد الحسامي وجه سؤالاً للمحاضر عن موقفه من دراسة اللهجات العامية على اعتبار أنها لغات ينبغى لنا أن نستثمر طاقاتها؟ وجاء في مداخلة الدكتور حنفي بدوي سؤالاً عن الطريقة التي أخرجت اللغة العربية من جزيرة العرب, حتى أصبحت لغة علمية من حدود جبال فرنسا وحتى سور الصين, وهل هنالك من بحث أو استقصى عن طريقة تعليم اللغة العربية قديماً؟ وفي مداخلة معلم اللغة العربية محمد البكري, تساءل عمّن روج لمفهوم صعوبة اللغة بين طلابنا, وكيف تم الحكم بذلك؟ ورأى بأن العربية تحمل بين طياتها من اليسر والسهولة شيئاً كثيراً, وانتقد برامج تلفزيونية جماهيرية تتحدث باللغة العامية كبرنامج الثامنة لداود الشريان, وفي مداخلة الدكتور المزاح قال بأنه من المؤلم تصور هذا الواقع المأساوي للعربية في ظل حفظ الله سبحانه لها, وأكد بأن العالم كله يرى بان العربية ستكون من ضمن اللغات العربية الحية والباقية في القرن القادم, وأن مجلس الأمن الدولي أصبح يفكر بجدية في إضافة العربية إلى لغاته الرسمية, وأن المراكز العلمية العالمية تنادي بإتاحة المجال أمام تعلم العربية, وفي مداخلة للدكتور محمد رفعت, قال فيها بأن دور اللغة العربية في المناحي السياسية والاقتصادية كان غائباً عن المحاضر, وأن المحاضرة تضمنت توصيفاً للمشكلة اللغة بينما لازال يحتاج إيضاحاً من المحاضر, وتساءل حول إمكانية وضع ضابط يحكم الأداء اللغوي ويفرق بينه وبين الاستعمال اليومي للغة؟ وفي مداخلة كتابية للأستاذ ظافر الجبيري, وجه فيها سؤالاً للمحاضر عن كيفية تزويد معلم العربية بخطة تساعده على أداء عمله, وتمكنه من تحبيب التلاميذ في لغتهم على اعتبار أنها هويتهم؟ وجاء في مداخلة كتابية غير موقعة باسم صاحبها, أن الاهتمام باللغة يزيد كلما كان الإنسان متديناً, فقدر تمسكه بدينه يزيد تعاطفه مع اللغة.

ثم أعطي المحاضر وقتاً للتعقيب على المداخلات, حيث قال بأنها لم تأتِ إلا لأن الحضور تابعوا محاضرته, ووصفها بأنها لم تكن كما يريد, إلا إنها تعتبر إضافةً معرفية له, وشكرهم على ذلك, وقام بالتعقيب على مداخلاتهم بحسب ترتيب ورودها, حيث قال إنه يتحدث من الداخل عن تعليم اللغة العربية, لأن الحديث عن تعليم اللغة لغير العرب يرتبط بالسياسات اللغوية التي تخطط للانتشار اللغوي, حيث إن التحديات الخارجية متسعة جداً, وأكبر من الإتيان عليها, أما مسألة الترجمة فلا بُد من أن ترتبط بمشروع حضاري, يتابع كل جديد يصدره العالم ويترجمه فورياً, وليس الأمر تدريساً بالعربية لأن في ذلك عزل لأصحاب التخصصات العلمية عن العالم, وبالنسبة لإعداد المعلمين, أكد أنه يتحدث عن الإعداد النوعي للمعلمين, لأن السائد لم يعد مواكباً لمتطلبات العصر, ويتم ذلك عن طريق إحداث نقلة نوعية في الإعداد وتتضمن برامج تطويرية تمكن من تلبية الاحتياجات, ودعا إلى كسر احتكار اللغة عن طريق مشاركة عناصر أخرى تجعل اللغة هماً للكل, بعيداً عن المنتمين لها والمتكسبين بها, وأكد على مسألة الاعتزاز باللغة عن طريق التثقيف اللغوي للأبناء واستخدامها في ممارساتهم الحياتية, لأنه أمر متعلق بالهوية والانتماء, وبالنسبة للمناهج قال بأنها مشكلات وهو يتحدث عن تحديات أكبر من المشكلات, أما بالنسبة لمسألة إعادة كتابة اللغة, قال بأنه مشروع كبير لا يمتلك إقراره, ولا يمتلك إلا ما يفكر به, موضحاً أن أي عملٍ في بدايته يكون فكرة ثم يترجم إلى عمل, وأشار إلى أن ابن حزم نص على أن” ما نتعلمه في المدارس هي لغة الكتابة وليست لغة النطق والمشافهة”, وقال بأن كلمة الفصحى جاءت متأخرة ولم تعرف إلا في عصر النهضة, وليس لها وجود في التراث, وأن ما نسميه بالفصحى لغة لم تكن موجودة, ولم تكن قائمة في أي بيئة عربية, لا قبل الإسلام ولا بعده, وإنما هي لغة مصنوعة ولغة ملفقة من لغات العرب ولهجاتها واختيارات العلماء, وقال بأن العامية ليست عدوة لنا وإنما هي بنّت العربية, نستعملها مجاراةً للشائع وهي مستوى من مستويات العربية, ويجب التفريق بين تدريس العامية وبين الاعتراف بها كحقيقة قائمة في واقع الحياة اليومية واستعمالاتها, وأوضح بأن الذين يتخيلون بأنه سيأتي يوم تنتهي فيه اللغة العربية, وتحل اللغة الفصحى محل العاميات, هؤلاء لا يختلفون عن الماركسيين الذين يرون انتهاء العالم في مرحلة من المراحل, وأكد بأن العامية باقية إلى قيام الساعة, وليس علينا التفكير بالقضاء عليها, وإنما نعمل على تقارب هذه العاميات, لتكون قريبة من اللغة الموحدة, وبين أن ما نحتاجه من زمن للنهوض باللغة مرتبط بالسياسات والتخطيط والتنفيذ, بعيداً عن تشبيه واقعنا بأوربا لاختلاف المعطيات, وأشار إلى أن دروسنا التي تتعلق بالعربية إنما تتركز وفق مستوى واحد من مستويات العربية وهو النص الثري, ويجب أن نفتح آفاقاً جديدة في درس العربية, ونقدمها في مستويات ثلاثة, المستوى الأول منها وهو التواصلي, ويدرس ما يحقق الحد الأدنى من التواصل بين الناس, والثاني ما يتطلبه الدارسين في التخصصات العلمية من لغة كتابية سليمة في حدها الأدنى, ولا تحمل تعقيدات البلاغيين وفلسفة النحويين, والثالث يختص بمتخصصي اللغة العربية, موضحاً أن من يحتاج لتعليم العربية هم الذين يكتسبونها, بخلاف الذين تكون هي لغتهم الأصلية لأنهم يكتسبونها بالسليقة, كما أوضح بأن الصورة النمطية, التي لدينا عن الأقاليم الإسلامية قديماً, والتي نظن من خلالها بأن أسواقها كانت تتراطن بالعربية غير صحيحة, وأن من كان يتراطن بالعربية هم المشتغلين بالحلقات العلمية فقط, أما الشارع فلكل بيئة لغته, وأما عن الدافع الديني للتمسك باللغة العربية, أوضح بأنه دافع من دوافع كثيرة, وذكر بأن من يعمل على تعقيد اللغة العربية أو تبسيطها هم من يشتغل بتعليمها, وأكد على أنه ألمح في محاضرته عن طريقة علاج ظاهرة الضعف اللغوي, والذي لن يتم إلا عن طريق مشروع حضاري يتبنى التخطيط اللغوي ومتابعة تنفيذه.

وفي ختام المحاضرة شكر رئيس النادي الدكتور آل مريع المحاضر على محاضرته الثرية, وإجابة تساؤلات الحضور, ثم قدم له درع النادي وهدية تذكارية.




شاهد أيضاً

أدبي أبها يحتفي بأول اصدارات اللجان الثقافية بمحافظات المنطقة

دشن نادي أبها الأدبي ثلاثة أصدرت جديدة منها اصدران للجان الثقافية التابعة لنادي أبها الأدبي …

اترك تعليقاً