نوقشت صباح يوم السبت 7/6/1433هـ رسالة الدكتوراة المقدمة من رئيس نادي أبها الأدبي الناقد الثقافي أحمد بن علي آل مريع بعنوان” خطاب الجنون في التراث العربي دراسة نقدية”، واستغرقت نحوا من أربع ساعات ونصف، وتكونت لجنة الحكم على الرسالة من الأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي مشرفا على الرسالة، والأستاذ الدكتور عبد المعطاني عضو مجلس الشورى والناقد الأدبي المعروف مناقشا خارجيا، والأستاذ الدكتور أحمد صبرة أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك سعود، والأستاذ الدكتور محيي الدين محسب أستاذ اللسانيات بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود وأستاذ كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية، وقد بدأ اللقاء بحديث للطالب عن عمله ثم أعقبه تعليق من الدكتور عبد الله الغذامي عن جودة الرسالة والجهد المبذول فيها من قبل الباحث، وأثنى على حرص الباحث وذكائه وشغفه بالمعرفة وعدم قبول أي عمل يأتي بل يدقق ويحرص على التجويد.
وقد اتفق جميع الأساتذة المناقشين على جودة العمل وقوته وأنه يشكل عملا علميا مميزًا جدا، مما يجعل من مناقشته مفاعلة ومشاركة وحوارا وليس إلزاما لأن الباحث صاحب رؤية وقدرة علمية ومنهجية. فيما كان الدكتور المعطاني أخبر بأنه يشرف بمناقشة أطروحة متميزة ومتماسكة، وأن يزف للمشهد باحثا متمكنا. فيما ذكر د. صبره بأن الرسالة أعلى من مرحلتها البحثية، وذكر الدكتور الهدلق أن محاسن الرسالة كثيرة، ولكنه لن يتفرغ لذكر المحاسن، بل سوف يركز على تسديد الرسالة وتقويتها بالملاحظات، واكتفى بالقول بأنه قد أفاد من الرسالة كثيرًا.. أما الدكتور محسب فذكر أن العمل لا يمكن تجاوزه لأي دراسة في هذا الحقل. وهو إضافة مهمة جدا، ولكنه يقترح على الباحث عددا من التساؤلات التي تجعله في مواجهة مشروعات أخرى تثري البحث. وكانت الجلسة ذات أريحية ورافقها الابتسام واتصفت بخفة الدم والبعد عن نمطية المناقشات.
ثم أعلنت النتيجة بعد المداولة وكانت في نقطتين:
* منح الباحث درجة الدكتوراة في النقد الثقافي قسم اللغة العربية
* إجازة وطبع الرسالة دون أية تعديلات.
وقد كان ملخص الرسالة :
تعنى هذه الأطروحة بدراسة: “خطاب الجنون في التراث العربي”، ونظرًا إلى تعدد استخدام مصطلح “الخطاب” بصفته مصطلحً معرفيًّا معقدًا في مجالات علمية واجتماعية وفلسفية ولسانية عريضة ومتنوعة، فقد حرصت الدّراسة على تحديد المراد باستخدامه. حيث نبهت إلى أمرين: تقاطعه فلسفيّا مع مصطلح “العقل”؛ لارتباطه بالمعنى وتخلصه مما هو ظني ونسبي ومتغير، ومن ثمَّ يدمج الفلاسفة “الخطاب” في “العقل”، و”الخطابي” في “العقلاني”. وهذا يستدعي حضور “العقل” بصفته فعاليّة فكرية ومعرفية؛ هو من يتكلم عن الجنون وهو من يصفه. والأمر الآخر: جهود ميشيل فوكو النقدية التي امتدت بالمقاربات الخطابية من حدود اللسانيات واللسانيات الاجتماعية والتداولية إلى ميادين ترتبط بالأنظمة الثقافية، التي تنتج المعرفة وتوجهها، وتبسط هيمنتها ومفاهيمها. فالخطاب ميدان من الاهتمام، وممارسة لها أشكالها المخصوصة من الترابط والتتابع. وتأسيسًا على ذلك فالخطاب في الدّراسة، هو: “طريقة تمثيل الجنون في الخطابات السائدة في التراث العربي”. ونقصد بالخطابات السائدة تلك الرسمية الناجزة المقرّة من قبل أنظمة المعرفة والمراقبة، التي تمتلك الحق في الكلام عن الآخر/ الهامشي لامتلاكها رصيدًا كافيًا من الحقيقة والمعرفة بحسب النظام. ومن هنا يحيل مصطلح الخطاب إجرائيًّا إلى ضروب من المعرفة، ومجاميع من الملفوظات، والافتراضات والتوقعات، والتفسيرات والتأويلات، المنتشرة في المدونة الرسميّة في التراث العربي: لغة، وفلسفة، وفقهًا، وأدبًا؛ وذلك بهدف استبعاده وعزله عن الممارسات الموصوفة بـ”العقل”. كما أن ا”لجنون” لا يعني المخالفة والمغايرة فحسب؛ بل تشترط الدِّراسة أن يكون موصوفًا بـ”الجنون” أو بأحد أسمائه، بحسب المدونة التراثية أو الرموز الثقافيين.
وقد جاءت الدراسة في مقدمة وستة فصول وخاتمة، خصصت الفصلين الأول والثاني للتعرف على مفهومي العقل والجنون، وهما مصطلحان ثقافيّان تراثيَّان، كما تناول الفصلان الثالث والرابع تصور مؤسستين من المؤسسات الثقافية النافذة، اللتين تمدان المتلقي بالتصورات والخبرة الضرورية للتعاطي مع الجنون، وهما: مؤسسة اللغة ومنطقة المفاهيم. وجعلت الفصلين الخامس والسادس رصدًا للممارسة الثقافية في حقلين معرفيين مهمين من حقول الثقافة العالمة، وهما الفقه والأدب، وقد وصلت الدراسة في كل فصل من فصولها لعدد من النتائج الجزئية المهمّة؛ التي تسلم إلى قانون ثقافي عام تتبناه المؤسسة في تعاطيها الثقافي العالمِ مع “الجنون” و”المجنون” وما ينسب إليهما، وهو ما يمكن الإفصاح عنه من خلال المقولة الثقافية التالية، التي انتهت إليها الدّراسة: “الحضور الفيزيائي والغياب الثقافي”.