الألمعي يقول : عدت إلى هنا إنساناً ( صور )

تساءل الكاتب في صحيفة الحياة علي القاسمي أثناء إدارته للحوار في محاضرة ( وكنت موفداً ) للأديب علي فايع الألمعي في نادي أبها الأدبي بقوله : هل كان ضيفنا لهذا المساء الموفد الوحيد ؟!

وأجاب بأنّه يعلم كما يعلم الحاضرون أنه لم يكن الوحيد ، لكنّه كان الأبرز في كثير من تفاعلاته الكتابية والعملية، فقد استطاع الألمعي في أربع سنوات أن ينقل محبيه ومتابعيه إلى أجوائه وأجواء المحيطين به ، ويشعرهم بالدفء تارة وبصقيع موسكو تارة أخرى ، وذكر أنّ الضيف جاء لينقل لنا بالصوت والصورة شيئاً من حضوره هناك ، وبقايا من ذاته هنا، فلم يكتف بالكتابة في المستقبل بل كان حاضراً بما ينقل لنا من أعمال تقرأ وتشاهد وتكنز .

من جانبه تحدث الأديب الألمعي عن تجربته بقوله : إنّه يحتار كثيراً في أيّ شيء يكتب وعن أيّ شيء يتحدث ؟

هل يكتب عن موسكو التي يتحرّك فيها أكثر من عشرين مليون نسمة في اليوم ؟

أم عن النّاس وحياتهم في مدينة لا تهدأ ،عن شوارع المدينة الفسيحة والمزدحمة ، عن بيوتها العالية، عن الغابات،عن حدائق الأطفال وألعابهم التي تلتفّ حول البيوت حارسة براءتهم وشقاواتهم ؟

هل يكتب عن الناس الذين يتذمرون من العيش في موسكو ، لكنهم لا يريدون مغادرتها ، وإن أرادوا لم يستطيعوا لأنّها سحرتهم ؟!

أم يكتب عن العرب الذين أعاد اكتشافهم في قرارة نفسه ؟!

هل يكتب عن العرب الذين ابتعدوا عن أوطانهم مكرهين ، دون أن تسأل عنهم تلك الأوطان أو تلتفت لهم ؟!

أم يكتب عن المدرسة السعودية في موسكو ودورها الكبير والبارز في عشرين عاماً فهناك أشياء كثيرة استطاعت المدرسة السعودية في موسكو أن ترسمها في ذهنه ، فقد رسمت الفرحة على وجوه كثيرة كان هدفها أن تتعلّم العربية وتدرس القرآن الكريم بفضل هذه المدرسة وما تجده من دعم من قبل حكومة المملكة العربية السعودية ثمّ بدعم وتشجيع سعادة سفير المملكة في روسيا الاتحادية علي حسن جعفر الذي كرّس اهتمامه الكبير بهذه المدرسة باعتباره رئيساً لمجلس إدارتها وقال إنّه حريص جداً على كلّ شيء من شأنه خدمة المدرسة والرقي بالعمل التربوي والتعليمي فيها .

وأشار إلى جهود مدير المدرسة الأستاذ آدم الثويني في هذا الحراك الفاعل داخل المدرسة والذي ساهم بشكل جيد في خروج المدرسة من ذاتيتها إلى المجتمع والناس برغم المحاذير التي كانت تقف في طريق أفكار كثيرة كان يمكن تقديمها .

وذكر الألمعي أنّ كلّ شيء ممّا سبق يستحق أن يكتب عنه بشكل مطوّل ، لكنه فضّل أن يتحدث عن نفسه في موسكو .

الألمعي أشار في حديثه عن تجربته في الإيفاد إلى أربع قواعد رئيسة في هذه التجربة أفادته كثيراً في رسم ملامح رحلته هذه وكانت القاعدة الأولى فيها :

( كلّ عقبة في حياتك مثل حاجز في سباق الحواجز ، فعند اقترابك منه لاجتيازه إذا تماسكت ونحّيت خوفك جانباً ،فإنّ حصانك سيتجاوزه بلا شكّ ) .

فلم يكن فاشلاً وفق هذا المعنى برغم العوائق الكثيرة التي وقفت في طريقه ، فلأوّل مرّة يقول : إنّه فشل في اجتياز المقابلات الخاصّة بالإيفاد مرتين ، وكان في كلّ واحدة منها يسأل عن السّبب فلا يجد جواباً مقنعاً ، غير أنه بقي متمسّكاً بنفسه ، وثقته فيها .

أما قاعدته الثانية فقد استوحاها من قصّة قرأها ، تقول : ( كان رجل يسير بحثاً عن جبل الأوليمب ، وفي أثناء رحلته قابل ” سقراط ” وطلب منه بعض النصح والتوجيه فردّ عليه سقراط قائلاً : ” إذا أردت فعلاً أن تصل إلى جبال الأوليمب ، فتأكد أنّ كلّ خطوة تخطوها تقودك في اتّجاهه ” .

حيث أشار الألمعي إلى أنّه كان يشبه إلى حدّ ما ذلك الرّجل الذي يبحث عن نصيحة أو توجيه ، لكنه في الوقت ذاته كان يسير على مبدأ سقراط ، فقد اصطحبت أسرته معه منذ اليوم الأوّل ، فلم يكن يفكّر كثيراً في صعوبات السّفر والإقامة والسكن ، ولا في الطقس البارد ، ولا في غلاء البلد المتجاوز حدود ما كان يفكّر فيه، بل كان يؤمن في داخله بأنّ حلاوة الأشياء في تعبها ، ولذتها في الشعور بأنّ هناك قيمة أكبر ، وأشار إلى أنّه كان يتعمّد خلق المساحات الممكنة لقلمه في الكتابة والتدوين وأكد على أنّ المدرسة السعودية في موسكو كانت أكبر رافد من روافد الثقافية والمعرفية لديه ، قد وهب فرصة أن يتقرّب أكثر من إخوانه العرب هناك بعد أن كانت أماني فتحوّلت إلى حقائق ومواقف وانطباعات لا تغيب عنها الدهشة ولا تفارقها الحيرة .

وذكر الألمعي أنّ أكثر الأشياء التي جعلته يدهش في هذه التجربة رؤيته ومعايشته للتضحيات التي كان يبذلها الآباء تجاه أبنائهم وخصوصاً العرب ، فالمسؤولية أكبر من كرسي أو جنسيّة أو مال ، وأكبر من كلام عابر،أو وعد كاذب،أو رؤية لا تتجاوز ذوات فاقدة أهليتها، قبل فقدانها لواجبها الإنساني والأخلاقي !

فقد كان يقرأ كلّ يوم شيئاً مختلفاً في عيون الناس وطموحاتهم وأحلامهم ، وأسف كثيراً على أنّ لدينا أناساً يذهبون إلى هناك بعقول مقفلة وقلوب مفتوحة ولا يعودون بشيء !

أما القاعدة الثالثة فقد كانت ( الصّعاب التي تتغلّب عليها هي فرص تفوز بها )

حيث أشار الألمعي إلى إيمانه بأن كلّ عقبة تقف في طريقه هي فرصة حقيقيّة لإنجاز شيء فهناك أفكار كثيرة كانت تنبعث مع كلّ شعور بالمسؤوليّة الفعليّة لما هو أبعد من تدريس أو تعليم ، وذكر أنّه لم يكن مقصراً في عمله التعليمي لكنه كان يشعر بواجبه التربوي تجاه أشياء كثيرة حوله .

أما القاعدة الرابعة فقد كانت ( إذا أردت أن تعمل فلا بدّ أن تهدأ ) حيث أشار إلى أنّ هناك مواقف سيئة علّمته أنّ الهدوء يخلق قيمة فعليّة للشيء ، فحين يغضب أو يتضايق يمسح همّه وغضبه بالكتابة .

وذكر أنّ أكثر الأشياء التي كانت تستفزّه هناك حين يقدم على عمل أو ينوي فعل شيء أن يقف إلى جواره مثبّط أو منتقص ليلتقط لنفسه صورة !

واستعرض الألمعي في محاضرته بعض الأعمال التي أنجزها في المدرسة السعودية وكان الفضل بعد الله في إنجازها للسفير علي حسن جعفر ومدير المدرسة الأستاذ آدم خميس الثويني وزملاء العمل خالد الخشان ومحمد الطويل وصبري الأصبحي وفائز العلياني وعلي حكمي ونخبة من المعلمين العرب في المدرسة السعودية في موسكو الذين كان لهم الفضل الكبير بعد الله في كلّ عمل جميل قدّم ، وذكر من تلك الأعمال مجلة المدارس التي صدرت في أربعة أعداد وقناة المدرسة على اليوتيوب التي أرّخت لعشرين عاماً مضت ومنتدى المدرسة الثقافي الذي كان هدفه الأول تثقيف طلاب المدرسة ومعلميها باستقطاب الكفاءات العربية في الثقافة والمعرفة في أصبوحات ثقافية داخل المدرسة يتاحور فيها الطلاب مع الضيوف بشكل مباشر .

وأشار إلى أنّ الإنجاز الأكبر الذي يحمد الله عليه هو اعتماد مجلس إدارة المدرسة العام الماضي رحلة الطلاب السنوية التي قدّم رؤيتها مع زميله فائز العلياني ، حيث زار نخبة من طلاب المدرسة غير السعوديين المملكة العربية السعودية لمدة أسبوع كامل ابتداء من الرياض فجدة فمكة فالمدينة المنورة وذكر أنّ الانطباعات عن تلك الرحلة كانت جميلة ، بل كاد يجزم أنّها الرحلة التي لن تغيب عن ذاكرة من ذهب ، وستبقى حلم من لم يكن النصيب حليفه .

وفي ختام المحاضرة أشار الألمعي إلى أنّه عاد إلى هنا أكثر إنسانية من قبل ، فقد وثّقت الغربة صلتها به وأوثقت عراها بغيره وأشار إلى أنّ الغربة كانت عوناً له وسنداً ، فقد كان في حضرتها قيمة فعليّة بذاته دون مقدّمات ولا جيوب منتفخة ولا رأس مرفوع دون سب مقنع لذلك !

في ختام المحاضرة تداخل عدد من الحاضرين بأسئلتهم ، وكان الأستاذ إبراهيم مسفر قد سأل المحاضر عن الفرق في العمل التربوي هنا وفي موسكو في مدرسة سعودية ، أمّا فراس الألمعي فقد ذكر أنّ التجربة صقلتها أفكار الموفد وجعلتها جميلة وتساءل : هل كلّ السعوديين الموفدين هكذا ، ولماذا لا يكونون ؟!

من جانبه اعتبر الدكتور الكحلاوي الكتابة التي استمع إليها خطاباً جديداً في أدب الرحلة يهتمّ بالتفاصيل ولا يستثني شيئاً .

أما رئيس نادي أبها الأدبي الدكتور أحمد آل مريع فقد أشار إلى أنّ ظهور خطاب الأنا في ثنايا المحاضرة لا يعدّ عيباً ، بل هو فعل سردي محبّب وصادق .

وفي ختام المحاضرة سلّم رئيس نادي أبها الأدبي المحاضر ومدير الحوار درعين تذكاريين وشكر الحاضرين على حضورهم .




Check Also

أدبي أبها يحتفي بأول اصدارات اللجان الثقافية بمحافظات المنطقة

دشن نادي أبها الأدبي ثلاثة أصدرت جديدة منها اصدران للجان الثقافية التابعة لنادي أبها الأدبي …

اترك تعليقاً